c
غير مصنف

تعرف علي قصة..”أم الأبطال” تمثال الشهداء الذي تحول إلي “أم هيثم” بجامعة القاهرة

تبكي في اليوم آلاف المرات، توشك على الصراخ بأعلى ما لديها في وجه أحفادها معلنة تذمرها من تجاهلهم لها، تنادي على عبد الحكم وكل طلابها الشهداء، ليوقفوا أصوات الضحك وأغاني واحتفالات “أعياد الميلاد” المحيطة بها دون مراعاة حُرمة الشهداء، تمثال الشهداء الذي صُنع لتكريم شهداء جامعة القاهرة، تحوّل بفضل أحفادهم إلى تمثال “أم هيثم”.

يوم 15 نوفمبر 1935

 لم يكن صباحًا عاديًا، فقد ارتدى فيه طلاب جامعة القاهرة ثوب الشهداء الروحاني قبل الخروج من منازلهم استعدادًا لمواجهة قاسية مع الموت، ليدرك عقلهم الفطن أن اللحظة الحاسمة قد أتت ليعلنوا رفضهم لدستور 1930 “العبودية” الذي أقرّه صدقي الباشا، والمناداة بالحق في الحرية الملغاة بدستور 1923.

جامعة القاهرة “منبر الحرية” 

تحتضن أولادها الحضن الأخير، قبل أن يتوجهوا بأعداد غفيرة إلى كوبري عباس ليكون وجهتهم للوصول لقصر عابدين، “الحرية” هي صوت الطلاب العزل المؤمنين بحقهم في وطنهم، ليقابلوا بصوت الطلقات النارية من مغتصب الوطن بكل “استهتار”.

“عبد الحكم رفع العلم” 

 جملة يعتز بها كل مصري بالفطرة دون معرفة عبد الحكم الجراحي، طالب كلية الآداب الذي أسرع وأمسك بـ “علم مصر” قبل أن يصل للأرض، بعد أن استشهد زميله محمد عبد المجيد طالب كلية الزراعة برصاص الإنجليز.

[ads1]

 “كل خطوة هتكون برصاصة”

عبارة قالها الضابط الإنجليزي بابتسامة استهتار محمية ببنادق الجبن لعبد الحكم ليتراجع عن موقفه وينسحب من ميدان المعركة، فترتسم ابتسامة على وجه البطل واثقة من القضية، مشتاقة للجنة، للتحرك قدماه بـ 13 خطوة و13 طلقة في صدر أبى أن يغلق قميصه على جرحه وجرح وطنه دون أن ينتفض معلنًا غضبه. وللمرة الثانية، كأن البطل يأبى الموت دون أن يترك رسالة لوطنه وأصدقائه ومن يتبعه، يكتب عبد الحكم بدمه من غرفته المحاصرة بالجنود الإنجليز بالقصر العيني، بعد انتزاع 8 رصاصات من صدره، ويغمس أصبعه في جرحه ليسجل على “حيطان” الغرفة البيضاء “إلى روح الشر رئيس وزراء إنجلترا أنا الشهيد المصري عبد الحكم الجراحي، قتلني أحد جنودكم الأغبياء وأنا أدافع عن حرية وطني”، ويلتقي عبد الحكم بزميله في رحمة المولى.

قدر لمصر أن تودع مخلصيها بحفاوة الفخر، لتصبح جنازة الشهيد عبد الحكم أكبر جنازة في مصر، بعد أن عزم طلاب كلية الطب على المشاركة في تحية شهيد الوطن عبد الحكم، بتهريب جثته من الإنجليز، ويستشهد 4 من طلاب الطب ليتيحوا الفرصة لوطنهم بإلقاء نظرة الوداع على بطلها.

أنشودة فتحي محمود، نحت مبدع عبر عن ملحمة الدفاع عن الحرية، عزفها في تمثال “الشهداء” عام 1955 بجامعة القاهرة، مصورًا عبد الحكم وهو يمسك بعلم بلده حتى لا يسقط ويهوى وسط الضجيج، واضعًا نصب عينيه أمه التي أنجبته مصر، وأمه التي أرضعته جامعة القاهرة، مواجهًا الموت دون خشية، وسط “مصر” الأم التي تتوسطهم بطوق العبودية الملقى أمام كل عدو لتحتضن بدفتيها أبناءها.

 لم يكن يعرف عبد الحكم وزملاؤه يومًا أن الحرية التي ينادون بها تتحول من تمثال “الشهداء” إلى تمثال “أم هيثم”، لعدم وجود لوحة معدنية تعبر عن تاريخ هذا التمثال ومجد طلاب هذه الجامعة، المجد الذي يجهله طلاب جامعة القاهرة الحاليون، رغم وجوده نصب أعينهم ليل نهار، ليعبروا عنه بتمثال “أم هيثم”، لعدم إدراكهم ما وراء هذه السيدة، التي تعلن عن وجودها كل صباح في صمت، تغمض قلبها عنهم لترى عبد الحكم وزملاءه يناجونها ليخففوا عنها، حتى يأتي اليوم الذي تلقاهم فيه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى